اعتقد المصريون القدماء بأن أرواحهم دائما ما كانت تبحث عن مقر لاستقرارها، أي في مكان لا تفنى فيه ولا تموت، مؤمنين بأنه طالما العالم المادي زائل والشر ينتصر دون عدالة لابد من أن يكون هناك عالم عادل أبدي يقابله يتحقق فيه الخير.
لذا آمنت كل جوارحهم بأنهم سيبعثون مرة أخرى لحياة ما بعد الموت حياة تخلو من الشرور، ويعاقب فيها المسيء على إساءته، ويجازى المحسن على إحسانه(1)
عقيدة البحث والخلود عند المصريين القدماء
وفي عقيدة البعث والخلود عند المصريين القدماء فقد أكد ول ديورانت أن ما يميز الفكر الديني المصري القديم هو إيمانه بمعتقد الخلود، وقد تشكل مبدأ الخلود في عدة صور كانت بدايتها مقتصره على الملوك فقط إلى أن أصبحت فيما بعد لعامة الشعب(2)
أسطورة البعث والخلود عند قدماء المصريين
كثيراً ما كانت تقدس الأساطير في الحضارات القديمة كونها تفسر تساؤلات شعوبها، ومن أشهر الأساطير المصرية القديمة المرتبطة بعقيدة البعث والخلود هي أسطورة الإله أوزيريس الذي توج ملكاً على مصر وعمل على تحسين أحوال شعبها كتعليمهم الزراعة، والعمل على تنظيم القوانين فيها، مما جعلهم يعظمونه.
إلا أنه اغتيل من قبل أخيه وأعوانه، والجدير بالذكر أن كل مظاهر موت أوزيريس قد اقتدي بها من قبل المصريين سواء نواح النساء عليه، أو حتى تحنيط جسده بعد وفاته، ويرجع ذلك إلى الأسطورة التي جعلت موت أوزيريس رغبة لدى الكثيرين لأنه استطاع أن يصل إلى الخلود ويتوج من قبل آلهة التاسوع كملكاً على الموتى والعالم الآخر ومترأساً لمحكمة الموتى التي يذهب لها المتوفي لنيل خاتمته(3)
وتذكر الأسطورة لدى قدماء المصريين أن الإله أوزيريس ولد في اليوم الأول من نوت ربة السماء وقد سمع صوت في السماء يقول: ولد رب الأرض كله”، وأبرز ما جاء فيها ما حدث حينما تقدمت البلاد أثناء حكم أوزيرس، فقد تملك الحقد قلب أخيه ست الذي غار منه وقرر أن يتخلص من أوزيريس بمعاونة اثنين وسبعين من أعوانه.
فقاموا بخداعه ووضعوه في تابوت، ومنً ثم ألقوه في نهر النيل، وحينما علمت إيزيس بذلك بدأت تبحث عنه طويلاً إلى أن وجدت التابوت، لكن وجدها ست وأخرج الجثة من التابوت وقطع أشلاء أخيه، وجعل كل قطعة في كل إقليم من أقاليم مصر.
فجمعت إيزيس أشلاء زوجها وجلست هي ونفتيس تبكيان عليه إلى أن تحولت فيما بعد لطائر سنونو واحتضنت زوجها، وأنجبت منه بالروح الأبن حورس الذي كبر وانتقم لأبيه من عمه ست، لكن آلهة التاسوع حرصت على ألا يكون نهاية هذا الصراع هو القتل، فحكمت لحورس بعرش أبيه على مصر، ولأوزيريس مملكة العالم الآخر.
فقد ساهمت تلك الأسطورة في تحسين أحوال المصريين، وسلوكهم لينالوا مصير أوزيريس في حياة ما بعد الموت، وذلك ما يفسر تقديسهم له، ووضع تماثيله في مقابرهم لتحل بركته عليهم(4)
وتعبر هذه الأسطورة عن آلهة التاسوع المتكونة من إله الخلق، وآلهة الهواء والشمس والقمر، بالإضافة إلى إله الأرض جب، ونوت ربة السماء، اللذان أنجبا إيزيس وأوزيريس، ونفتيس، وست(5)
العالم الآخر في عقيدة البعث والخلود عند المصريين القدماء
تشكلت فكرة الموت والبعث للعالم الآخر بتصور خاص عبر عصور من الزمن تمثل في رؤية ذلك المعتقد أثناء الظواهر الطبيعية التي تشير إلى مفاهيم الإحياء وكل ما يظهر ويختفي.
فأشارت نصوص التوابيت بأن فيضان النيل دلالة على بعث الإله أوزيريس وظهوره، بينما موسم جفافه دلالة على موت الإله، لذا انتشر بكثرة إطلاق لقب أوزير على كل متوفي رغبةً في الامتثال برحلة بعث الإله أوزيريس(6) يمكنكم التعرف على عقيدة اليوم الآخر في الأديان الكتابية.
وكذلك رأى القدماء البعث والخلود في رحلة الشمس اليومية، فقام الكهنة بقياس تلك الرحلة على دورة حياة البشر لكثرة تأثير تصورات ذلك العالم على نفوسهم، فاعتبروا أن غروب الشمس دلالة على موت الإنسان، بينما شروقها دلالة على بعثه، وقد ارتبط هذا التصور بالإله رع الحامي والمساعد، والمرشد للأخيار خلال رحلتهم في مملكة الموتى(7)
كتاب الموتى وعلاقته بعقيدة البعث والخلود عند قدامى المصريين
إن الاعتقاد الجازم لدى المصري القديم بعقيدة البعث والخلود، والمحاكمة الإلهية للموتى قد ولد له الكثير من المعتقدات الفرعية والطقوس التي يحاول من خلالها ضمان الراحة والسعادة الأبدية.
ومن ضمن هذه المعتقدات كتاب الخروج في النهار الذي اشتمل على 190 فصلاً تقريباً من نصوص جنائزية تساعد المتوفى على إيجاد جسده في العالم الآخر، بالإضافة إلى التعاويذ السحرية والأدعية، والرقى، والصلوات والطقوس الدينية، ولشدة إيمان المصريين بهذا الكتاب حرصوا على دفنه مع الميت في قبره سواء كان كاملاً أو جزء منه(8)
قائمة المصادر والمراجع:
(1)- سيد، القمني: رب الثورة أوزيريس وعقيدة الخلود في مصر القديمة، المركز المصري لبحوث الحضارة، 1999م، ص125.
(2)- Durant, Will, The story of civilization – vol 2, Simon and Schuster ,1939, p. 162.
(3)- شريف، الصيفي: الخروج في النهار “كتاب الموتى” نصوص مصرية قديمة مترجمة، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2009م، ص16.
(4)- المرجع السابق، ص16.
(5)- ياروسلاف، تشرني: الديانة المصرية القديمة، ترجمة: أحمد قدري، دار الشروق، القاهرة، 1996م. ص255.
(6)- عبد الحليم، نور الدين: الديانة المصرية القديمة، دار الآفاق، القاهرة، 2010م، ص118.
(7)- والاس، بدج: آلهة المصريين، ترجمة: محمد يونس، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1998م، ص202.
(8)- شعبان عبد العزيز، خليفة: كتاب الموتى عند قدماء المصريين، مجلة بحوث في علم المكتبات والمعلومات، جامعة القاهرة، مركز بحوث نظم وخدمات المعلومات، ع4، 2010م، ص14.