تعتبر معركة القادسية من أهم المعارك وأعظمها في التاريخ الإسلامي، بسبب انتصار المسلمين رغم قلة عددهم وعتادهم على أعظم إمبراطورية شهدها التاريخ على مدار ألف عام وهي إمبراطورية الفرس، وطغيانها على المسلمين خاصةً في العراق وهي من بلاد الشرق.
فغضب لفعلهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فأمر بتجهيز جيش قوي لمحاربتهم حتى كان يرغب أن يتزعم هذا الجيش، ولكن أخذ يشرف عليه من مكانه بالرسائل الذي كان يرسلها لسعد بن أبي وقاص قائد المسلمين في معركة القادسية.
حيث استخلفه عليهم عمر لشجاعته وقوته وبسالته، ومشاهدته جميع الغزوات مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهو أول من رمى بسهم في الإسلام، ولم يتردد سعد في الموافقة قط، بل ذهب على الفور وكان يدعو كل من مر ببلد أهلها للجهاد معه.
وكان انتصار المسلمين في معركة القادسية معبر لنشر الإسلام، وفتح العراق ومن بعدها فتح بلاد فارس، ونشر الإسلام في المشرق والمغرب، ولولا ذلك لما تعدي الإسلام قبائل العرب، ولكنه جاء للناس جميعًا.
ما قبل معركة القادسية وأسبابها
عندما علم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن جيش الفرس يتجهز ليقضي على القلة المتبقية في العراق من المسلمين، أمر بالتجنيد الإجباري والزحف للحرب ويعتبر هو أول من عمل بالتجنيد الإجباري، وكان ثائر ويرغب في المشاركة، ولكن خالفه عبد الرحمن بن عوف مخافتًا على تراجع المسلمين إذا أُصيب الخليفة عمر بالحرب.
فولي سعد بن أبي وقاص عليهم قائلا له: “إني وليتك حرب العراق فاحفظ وصيتي”، ومده بسبع آلاف مقاتل، واستطاع سعد أن يحشد مثلهم من نجد، وانتظره المثنى بن حارثة في العراق بأثني عشر ألفاً، ولكنه توفي بسبب ضرب الفرس له في معركة الجسر(1)
وحين استقروا كلاهما في القادسية أمر عمر سعد بإرسال رسل(2) لدعوتهم لعبادة الله فأرسل له أربع عشرة رسولاً، ولكن رفض رستم وسخر منهم، وبدأ النعمان يخيره بين الجزية والسيف والإسلام، ورغب رستم في قتله، ولكن الرسل لا تقتل، وبدأ القتال بعد ثلاث أيام طلبًا من رستم حتى ينظر في أمر الإسلام، أم الجزية، أم الحرب(3)
أسباب معركة القادسية
كان انتصار جيش المسلمين في معركة البويب لم ينه الوجود العسكري والسياسي للفرس في بلاد الرافدين، فكان لا بد من مواجهة عسكرية حاسمة تقضي على الإمبراطورية الفارسية في العراق، لذا كان من أهم أسباب معركة القادسية بين الفرس والمسلمين ما يلي:
- توحيد الجبهة الداخلية في بلاد الفرس.
- تم إعلان حالة الطوارئ في بلاد الفرس للتصدي لدعوة الدين الإسلامي بعد وفاة النبي صل الله عليه وسلم.
- كثرة اضطراب الأوضاع الأمنية في العراق.
- حدوث استنفار عام في شبة الجزيرة العربية بسبب اضطهاد الفرس للمسلمين في العراق والتصدي لدعوتهم.
- فشل المفاوضات بين المسلمين والفرس لما أرسل سعد بن أبي وقاص وفداً إلى ملك الفرس وحثهم على دفع الجزية، أو الدخول في الإسلام(4)
تاريخ معركة القادسية
وقعت أحدات ومجريات معركة القادسية طوال أربعة أيام متتالية هي يوم الخميس، والجمعة، والسبت، والأحد، الموافق 13، 14، 15، 16 على التوالي من شهر شعبان في سنة 15هـ، ويقابله في التقويم الميلادي الموافق 19، 20، 21، 22 من شهر سبتمبر سنة 636م(5)
يمكنكم التعرف على الحضارة السومرية في العراق.
أطراف المعركة وقياداتها
قامت معركة القادسية بين المسلمين والفرس وتعتبر الفرس من أكبر الإمبراطوريات التي حدثت في التاريخ، حيث استمرت أكثر من ألف عام وتملك الكثير من الاسلحة الحربية والفيلة والخيل، والمال، والعتاد، والجنود.
وفى منطقة القادسية نصب رستم فرخزاد قائد الفرس الخيال ثم الفيلا ثم المشاة، وقسم الجيش بهذا الشكل فجعل في الميمنة: الهرمزان ومعه سبع فيلة، والجالينوس، والقلب: ذا الحاجب ومعه ثمانية عشر فيلاً، والميسرة: البيرزان ومهران ومعه سبعة من الفيلة(6)
أما جيش المسلمين فكان بقيادة سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-، ولكنه أصيب بعرق النسا، وكان به دمامل، فلم يتمكن من امتطاء الخيل، وكان يشرف على المعركة من أعلى قصر العذيب.
أما الذي كان ينقل أوامره للجيش فكان خالد بن عرفطة العذري وكان بمثابة القائد المباشر، وقد جعل لكل قبيلة من القبائل المشاركة في المعركة أميراً(7)، وقد بلغ جيش المسلمين نحو 33 ألف جندي فكان أكبر جيش يوجهه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لفتح العراق(8)
يمكنكم الاطلاع على أحداث غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس.
أهم الحقائق التاريخية في معركة القادسية
- كان في جانب الفرس الكثرة العددية الساحقة.
- كان الفرس يتميزون بالأفضلية في العدة والسلاح ونوعيته وصلابته.
- استخدم الفرس سلاح الأفيال المرعب والذي لم يكن يمتلكه المسلمين.
- كان قوام جيش الفرس 60 ألفاً من الفرسان.
- كان الفرس يقاتلون قريباً من ديارهم وعلى بعد نحو مائتي كيلو متر من عاصمتهم.
وبالرغم من ذلك كله فقد أيد الله تعالى جيش المسلمين بنصره رغم قلة عددهم وعتادهم مقابل عدد جيش الفرس وعتاده(9) وقد صدق قول الله تعالى في كتابه العزيز: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (سورة البقرة: 249).
قائمة المصادر والمراجع:
(1). علي محمد محمد، الصلابي: فصل الخطاب في سيرة ابن الخطاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب شخصيته وعصره، (الشارقة: مكتبة الصحابة، ط1، 2002م)، ص452-454.
(2). يمكنكم قراءة المزيد حول رسل معركة القادسية من خلال: إبراهيم بن علي، الربعي: رسل معركة القادسية 15هـ / 636م، دراسة تاريخية تحليلية، مجلة الجامعة الإسلامية للعلوم التربوية والاجتماعية، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ع6، 2021م، ص500–529.
(3). الصلابي، المرجع السابق، ص465-467.
(4). سعد بن عبد الرحمن، العبيسي: قراءة في تاريخ الطبري عن معركة القادسية وفتح المدائن، الدرعية، الشيخ أبو عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري، مج5، ع20، 2003م، ص120–123.
(5). سعد بن محمد بن حذيفة، الغامدي: معركة الروار: قادسية الفتح الإسلامي لوادي السند، الدارة، دارة الملك عبد العزيز، مج13، ع4، 1988م، ص122-123.
(6). الصلابي، المرجع السابق، ص471-472.
(7). فوزي محمد عبده، ساعاتي: شهداء معركة القادسية، مجلة جامعة أمر القرى للبحوث العلمية، جامعة أم القرى، س10، ع16، 1997م، ص267.
(8). أحمد عادل، كمال: معركة القادسية، مجلة المال والتجارة، نادي التجارة، مج5، ع55، 1973م، ص16.
(9). أحمد عادل، كمال: القادسية، (بيروت: دار النفائس، ط9، دار النفائس، 1989م)، ص241-242.